سوريا بلد شبه جاف ذو مناخ متوسطي. وتناسب المحاصيل مثل الشعير والقمح والحمص هذا النوع من المناخ تماماً، فضلا عن الأشجار المقاومة للجفاف مثل الزيتون.
للزراعة أهمية كبيرة للمجتمعات السورية والاقتصاد الوطني في سورية. وضمت الزراعة في أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين 40-50% من إجمالي القوى العاملة السورية. وفي يومنا هذا، يولد القطاع ما بين من الناتج المحلي الإجمالي لسورية.
معظم الزراعة في سورية مروية, أي قرابة 75% من إجمالي المحاصيل المزروعة
أما الـ 25% المتبقية فتروى بالمياه الجوفية ومياه الخزانات السطحية.
شهدت دول حوض الفرات معدلات نمو سكاني عالية وتطوراً سريعاً خلال النصف الثاني من القرن العشرين. وقد شجع ذلك الحكومات على زيادة إنتاج الغذاء محلياً عن طريق إنشاء مشاريع ري كبيرة.
وبالتالي أصبحت الزراعة أكبر مستهلك للمياه في هذه الدول، بنسبة 78% و88% و73% في العراق وسورية وتركيا على الترتيب.
وأصبحت الزراعة في حوض الفرات معرضة لمخاطر متزايدة في الآونة الأخيرة بسبب مجموعة من العوامل كممارسات إدارة المياه غير المستدامة والتغير في استخدام الأراضي والنزاعات المستمرة وتأثيرات تغير المناخ. وقد أدى تراجع الزراعة إلى زيادة مستويات انعدام الأمن الغذائي في أنحاء سورية.
تُظهر البيانات وصور الأقمار الصناعية تغيراً ملحوظاً في استخدام الأراضي في سورية منذ العام 2010. انخفضت المساحة المزروعة بين عامي 2010-2014 بنسبة 14.4% (690 ألف هكتار). كما انخفض الناتج المحلي الإجمالي للقطاع الزراعي في سوريا بحلول عام 2014 بنسبة 41% مقارنة عن العام 2010.
وعاد إجمالي مساحة الأراضي المزروعة للازدياد منذ عام 2014 بمقدار 231 ألف هكتار. ولكن المساحات المزروعة انخفضت بشكل عام خلال العقد الفائت.
ما السبب وراء ذلك؟
حسناً، الأمر معقد. يمكن أن يُعزى التغير في استخدام الأراضي على جانبي نهر الفرات إلى عاملين بشكل عام: الهجرة الداخلية وتأثيرات تغير المناخ.
كان عدد السكان السوريين قرابة 23.5 مليون نسمة قبل بداية الأزمة في العام 2011، يعيش 47% منهم في المناطق الريفية.
ومع بداية الأزمة، نزح العديد من سكان المجتمعات الريفية أو هاجروا تاركين حقولهم. ومن شأن تعطّل سلاسل التوريد وارتفاع الأسعار المستمر حتى الآن أن يضعفا قدرة المزارعين على تحمل تكاليف المدخلات والمعدات الضرورية.
انخفض الإنتاج الزراعي وتغير استخدام الأراضي، إلى جانب انخفاض عدد العاملين في الزراعة في سورية.
كما أدى كل من ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدلات هطول الأمطار إلى عدد من التأثيرات السلبية على الزراعة السورية.
على سبيل المثال، أدى انخفاض معدلات هطول الأمطار بنسبة 50-70%إلى ترك 80% من حقول القمح البعلية في سورية دون زراعة في العام 2021. بالإضافة إلى ذلك، تشير التقديرات إلى أن إنتاج الشعير خلال العام 2021 كان 268 ألف طن فقط، أي 10% فقط من إنتاج الشعير في 2019 وفي 2020.
لم تشهد سورية مثل هذا الجفاف منذ سنوات. ففي السنوات السابقة، شهدت محافظة واحدة أو اثنتين فقط جفافاً، أما هذا العام فقد تأثرت جميع المحافظات، مما أثر بشكل كبير على الزراعة. وقد تأثرت بذلك المحاصيل الشتوية في المناطق البعلية، وتحديداً القمح والشعير الاستراتيجيان.
”وزير الزراعة والإصلاح الزراعي السوري
محمد حسان قطنا
أدى انخفاض الإنتاج الزراعي المصحوب بارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي في المنطقة.
وفي العام 2021، تشير التقديرات إلى أن 12 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي. ويمثل هؤلاء حوالي 60% من إجمالي السكان.
ويعاني 2.5 مليون من هؤلاء الـ 12 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الشديد ولا يمكنهم البقاء على قيد الحياة دون مساعدات غذائية.
وهنالك جهودٌ تبذل حالياً للحفاظ على الأمن الغذائي في المنطقة. وقد لعبت كل من الحكومة والإدارات المحلية، إلى جانب العديد من منظمات الإغاثة في حالات الطوارئ، دوراً مهماً في تخفيف مستويات انعدام الأمن الغذائي بين السكان السوريين في السنوات الأخيرة.
كما يدأب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وشركاؤه على توسيع نطاق الزراعة المقاومة لتغيرات المناخ والموفرة للمياه في حوض الفرات.
وعلينا أن ندرك أن الزراعة ستظل تحت التهديد ما لم تعالج الأسباب الجذرية بشكل فعال. وإن جودة المياه أحد العوامل التي تؤدي إلى تفاقم التحديات بشكل متزايد.